الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.موعظة: .قال ابن الجوزي: .المجلس السادس في ذكر الحج: الحمد لله الملك القديم الواحد العزيز العظيم الشاهد سامع ذكر الذاكر وحمد الحامد وعالم ضمير المريد ونية القاصد لعظمته خضع الراكع وذل الساجد وبهداه اهتدى الطالب وأدرك الواجد رفع السماء فعلاها ولم يحتج إلى مساعد وألقى في الأرض رواسي راسخات القواعد تنزه عن شريك مشاقق أو ند معاند وعز عن ولد وجل عن والد وأحاط علما بالأسرار والعقائد وأبصر حتى دبيب النمل في الجلامد وسطا فسالت لهيبته صعاب الجوامد ويقول في الليل هل من سائل فانتبه يا راقد بنى بيتا أمر بقصده وتلقى الوافد وأقسم على وحدانيته وما ينكر إلا معاند {والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا إن إلهكم لواحد} أحمده على الرخاء والشدائد وأقر بتوحيده إقرار عابد وأصلي على رسوله الذي كان لا يخيب السائل القاصد وعلى صاحبه أبي بكر التقي النقي الزاهد وعلى عمر العادل فلا يراقب الولد ولا الوالد وعلى عثمان المقتول ظلما بكف الحاسد وعلى علي البحر الخضم والبطل المجاهد وعلى عمه العباس أقرب الأقارب والأباعد قال الله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} فرض الله عز وجل حج البيت بهذه الآية وقوله: {من استطاع إليه سبيلا} قال النحويون من بدل من الناس وهذا بدل البعض كما تقول ضربت زيدا رأسه.أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الله النسفي بسنده عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عمر قال قيل يا رسول الله ما الاستطاعة إلى الحج قال الزاد والراحلة واعلم أن المجيب قد يجيب عن المشكل ويترك الظاهر ثقة بعلم السامع وإلا فقد يكون له زاد وراحلة فإذا خرج إلى الحج لم يكن له ما يترك لعياله أو لم يكن له ما يدبره في معاشه واعلم أن وجوب الحج موقوف على وجود البلوغ والعقل والحرية والإسلام والزاد والراحلة ويشترط في وجود الراحلة أن تكون صالحة لمثله ورحلها وآلتها لأنه قد يكون كبير السن فلا يمكنه الركوب على القتب وأن يكون وجود الزاد والراحلة فاضلا عما يحتاج إليه من مسكن وخادم إن احتاج إليه ونفقة لعياله إلى أن يعود وقضاء دين إن كان عليه وأن يكون له إذا رجع ما يقوم بكفايته من عقار أو بضاعة أو صناعة ثم ينبغي أن ينظر في أمن الطريق وسعة الوقت إلى غير ذلك وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من قدر على الحج ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا» وقال ابن مسعود في قوله تعالى: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم} قال طريق مكة يمنعهم من الحج وقد ذكرنا في أول هذا الكتاب بناء البيت وفضائله وفضل الحجر الأسود.وفي حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الركن اليماني وكل الله عز وجل به سبعين ألف ملك فمن قال أسألك العفو والعافية ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قالوا آمين وعن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من طاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين فهو عدل محرر». أخبرنا يحيى بن علي بسنده عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله عز وجل في كل يوم وليلة عشرين ومائة رحمة تنزل على هذا البيت ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون للناظرين وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من طاف بالبيت لم يرفع قدما ولم يضع أخرى إلا كتب الله عز وجل له بها حسنة وحط عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة» وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من طاف بالبيت خمسين مرة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» وفي حديث بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «النفقة في الحج تضاعف كالنفقة في سبيل الله تعالى الدرهم بسبعمائة درهم».فأما حج الماشي فأخبرنا أبو منصور وعبد الرحمن بن محمد بسندهما عن إسماعيل ابن أبي خالد عن زاذان قال مرض ابن عباس مرضا شديدا فدعا ولده فجمعهم فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من حج من مكة ماشيا حتى يرجع إلى مكة كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم فقيل له وما حسنات الحرم قال بكل حسنة مائة ألف حسنة» وروت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الملائكة لتصافح ركبان الحج وتعتنق المشاة» وأما فضيلة الحج فأخبرنا هبة الله بن محمد بسنده عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة والعمرتان أو العمرة إلى العمرة تكفر ما بينهما أخبرنا محمد بن محمد الوراق بسنده عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه الحديثان في الصحيحين وروي عن علي كرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أراد دنيا وآخرة فليؤم هذا البيت ما أتاه عبد يسأل الله تعالى دنيا إلا أعطاه منها ولا آخرة إلا ادخر له منها».وينبغي لمن أراد الحج أن يفهم معنى الحج فإنه يشار به إلى التجرد لله عز وجل ومفارقة المحبوبات وليتذكر بأهوال الطريق الأهوال بعد الموت وفي القيامة وبالإحرام الكفن وبالتلبية إجابة الداعي وليحضر قلبه لتعظيم البيت وليتذكر بالالتجاء إليه التجاء المذنب وبالطواف الطواف حول دار السيد ليرضى وبالسعي بين الصفا والمروة التردد إلى فناء الدار وبرمي الجمار رمي العدو وكما أن للأبدان حجا فللقلوب حج فإنها تنهض بأقدام العزائم وتمتطي غوارب الشوق وتفارق كل محبوب للنفس وتصابر في الطريق شدة الجهد وترد مناهل الوفاء لا غدران الغدر فإذا وصلت إلى ميقات الوصل نزعت مخيط الآمال الدنيوية واغتسلت من عين العين ونزلت بعرفات العرفان ولبت إذ لبت من لباب اللب ثم طافت حول الإجلال وسعت بين صفا الصفا ومروة المروءة فرمت جمار الهوى بأحجار فوصلت إلى قرب الحبيب فلو ترنمت بشرح حالها لقالت:ولما عبر الخليل هذه الحالة قيل له قد بقي عيك ذبح يجانس هذا الحج ليس له إلا الولد وما المراد إراقة دمه بل فراغ قلبك عنه يا خليلي من المسنون استسمان الإبل وألا يكون في المذبوح عيب فاختبر ذبحك هل فيه عيب أو هو سليم مسلم فقال له {إني أرى في المنام أني أذبحك} فأجابه {افعل ما تؤمر} فعلم حصول الكمال وعدم العيوب ثم قال له استحد مديتك وأسرع مر السكين على حلقي.وإذا عدت إلى أمي فسلم عليها عني هذا قول من لم يلم بقلبه خوف ألم. وإذا وصل الحاج إلى المدينة المشرفة فيجعل على فكره تعظيم من يقصده وليتخايل في مساجدها وطرقاتها نقل أقدام المصطفى هناك وأصحابه وليتأدب في الوقوف وليستشفع بالحبيب وليأسف إذ لم يحظ برؤيته ولم يكن في صحابته: وينبغي لمن عاد من الحج أن يقوي رجاؤه للقبول ومحو ما سلف وليحذر من تجديد زلل وقد سئل الحسن البصري ما الحج المبرور فقال أن تعود زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة أخبرنا أبو منصور القزاز بسنده عن عبد الرحمن بن عبد الباقي قال سمعت بعض مشايخنا يقول قال علي بن الموفق لما تم لي ستون حجة خرجت من الطواف وجلست بحذاء الميزاب وجعلت أفكر لا أدري أي شيء حالي عند الله عز وجل وقد كثر توددي إلى هذا المكان فغلبتني عيني فكأن قائلا يقول لي يا علي أتدعو إلى بيتك إلا من تحبه قال فانتبهت وقد سرى عني ما كنت فيه.الكلام على البسملة: من للعاصي إذا دعي فحضر ونشر كتابه ونظر لم يسمع عذره وقد اعتذر وناقشه المولى فما غفر آه لراحل لم يتزود للسفر ولخاسر إذا ربح المتقون افتقر ولمحروم جنة الفردوس حل في سقر ولفاجر فضحه فجوره فاشتهر ولمتكبر بالذل بين الكل قد ظهر وإلى محمول إلى جهنم فلا ملجأ له ولا وزر آه من يوم تكور فيه الشمس والقمر يا كثير الرياء قل إلى متى تخلص يا ناسي الأنكال إن كال فمتلصص ما يتخلص من معامل ولا هو عند الله مخلص الدهر حريص على قتلك يا من يحرص تفكر فيمن أصبح مسرورا فأمسى وهو متنغص ومتى أردت لذة فاذكر قبلها المنغص وتعلم أن الهوى ظل والظل متقلص وخذ على نفسك لا تسامحها ولا ترخص حائط الباطل خراب فإلى كم تجصص أين الهم المجتمع تفرق فما ينتفع يدعوك الهوى فتتبع وتحدثك المنى فتستمع كم زجرك ناصح فلم تطع سار الصالحون يا منقطع ما الذي عاقك لهو مختدع شروا ما يبقى بما يفنى وأنت لم تشر ولم تبع أين تعبهم نسخ بالروح ولم يضع تلمح العواقب فلتلمها العقل وضع كأنه ما جاع قط من شبع جز على الشونيزية أو على قبر أحمد وميز من أطاع ممن أضاع فمن أحمد قبور الصالحين تؤنس الزائر وقبور الظلمة عليها ظلام متوافر جذ على قبور العباد وناد في ذلك الناد أيتها الأودية والوهاد ما فعلت تلك الأوراد: سبحان من قسم الأقسام فلقوم يقظة ولقوم منام قال وهب بن منبه كان في بني إسرائيل رجلان بلغت بهما عبادتهما أن مشيا على الماء فبينما هما يمشيان في البحر إذا هما برجل يمشي في الهواء فقالا له يا عبد الله بأي شيء أدركت هذه المنزلة فقال بيسير من الدنيا فطمت نفسي عن الشهوات وكففت لساني عما لا يعنيني ورغبت فيما دعاني ولزمت الصمت فإن أقسمت على الله أبر قسمي وإن سألته أعطاني.يا بعيدا عن الصالحين يا مطرودا عن المفلحين لقد نصب الشيطان الأشراك وجعل حب الفخ هواك وكم رأيت مأسورا وسط ذاك وليس المراد الآن إلاك احذر فخه فهو بعيد الفكاك كم يوم غابت شمسه وقلبك غائب وكم ظلام أسبل ستره وأنت في عجائب كم ليلة بالخطايا قطعتها وكم من أعمال قبيحة رفعتها وكم من ذنوب جمعتها والصحف أودعتها كم نظرة ما تحل ما خفت ولا منعتها كم من موعظة تعيها وكأنك ما سمعتها وكم من ذنوب تعيب غيرك بها أنت صنعتها وكم أمرتك النفس بما يؤذي فأطعتها يا موافقا لنفسه آذيتها خالفها وقد نفعتها: الكلام على قوله تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة}:كان مطرف بن عبد الله يقول هذه آية القراء ومعنى يتلون يقرؤون وفي أفراد البخاري من حديث عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» أخبرنا هبة الله بن محمد بسنده عن عبد الرحمن بن زيد العقيلي عن أبيه عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لله عز وجل أهلين من الناس فقيل من أهل الله منهم قال أهل القرآن هم أهل الله وخاصته أخبرنا علي بن عبيد الله وأحمد بن الحسن وعبد الرحمن بن محمد بإسنادهم عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعذب الله قلبا وعى القرآن أخبرنا الكروخي بسنده عن محمد بن كعب القرشي قال سمعت عبد الله بن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف» أخبرنا ابن الحصين بسنده عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقال لصاحب القرآن يوم القيامة اقرأ وارق ورتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية يقرؤها» واعلم أن لتلاوة القرآن آدابا منها أن يقرأ وهو على وضوء متأدبا مطرقا مرتلا بتحزين وبكاء مسرا معظما للكلام والمتكلم به محضرا لقلبه متدبرا لما يتلوه وقد كان في السلف من يختم في كل يوم وليلة وقد كان عثمان رضي الله عنه يختم في الوتر ومنهم من كان يختم ختمتين وقد كان الشافعي رضي الله عنه يختم في رمضان ستين ختمة ومنهم من يختم ثلاث ختمات وهؤلاء الذين غلب عليهم انتهاب العمر ومنهم من كان يختم في كل أسبوع اشتغالا بنشر العلم ومنهم من كان يختم كل شهر إقبالا على التدبر وقد روى أبو ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام ليلة بآية يرددها {إن تعذبهم فإنهم عبادك} وقام تميم الداري بآية: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات} وكذلك قام بها الربيع بن خثيم وقال أبو سليمان الداراني إني لأقيم في الآية أربع ليال أو خمس ليال وقد بقي بعض السلف سنتين في ختمة قال ابن مسعود رضي الله عنه من ختم القرآن فله دعوة مستجابة وقال عبد الرحمن بن الأسود من ختم القرآن نهارا غفر له ذلك اليوم ومن ختمه ليلا غفر له تلك الليلة أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أنبأنا ابن النقور أنبأنا ابن حبابة حدثنا البغوي حدثنا هدبة حدثنا حماد بن مسلمة عن أبي مسكين عن طلحة بن مطرف قال من ختم القرآن في أي ساعة من النهار كانت صلت عليه الملائكة حتى يمسي أو أي ساعة من الليل كانت صلت عليه الملائكة حتى يصبح وقد روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الرجل الذي ليس في جوفه من القرآن شيء كالبيت الخرب» وروى سعد بن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله عز وجل يوم القيامة وهو أجذم».وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اقرؤوا القرآن وابتغوا به الله عز وجل من قبل أن يأتي قوم يقيمونه مقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه» قال ابن مسعود ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذ الناس نائمون وبنهاره إذ الناس مفرطون وبحزنه إذ الناس يفرحون وببكائه إذ الناس يضحكون وبصمته إذ الناس يخوضون أخبرنا ابن ناصر قال حدثنا عبد القادر أنبأنا يوسف أنبأنا الحسن بن علي التميمي حدثنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنا علي بن مسلم حدثنا سيار حدثنا جعفر قال سمعت مالك بن دينار يقول يا حملة القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم فإن القرآن ربيع المؤمنين كما أن الغيث ربيع الأرض وقد ينزل الغيث من السماء إلى الأرض فيصيب الحش فتكون فيه الحبة فلا يمنعها نتن موضعها أن تخضر وتهتز وتحسن فيا حملة القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم قال الفضيل رحمه الله حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو ولا يسهو مع من يسهو ولا ينبغي أن يكون له إلى أحد حاجة إلى الخلفاء إلى من دونهم وينبغي أن تكون حوائج الناس إليه وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه رأيت رب العزة عز وجل في المنام فقلت يا رب ما أفضل ما يتقرب به المتقربون إليك فقال بكلامي يا أحمد فقلت يا رب بفهم أو بغير فهم فقال بفهم وبغير فهم.قوله تعالى: {وأقاموا الصلاة} المعنى ويقيمون الصلاة وهو إتمامها بحدودها وفي مواقيتها قال بعض السلف رأيت بجبل اللكام شابا مصفرا يصلي العشاء الآخرة ثم يصف قدميه فيختم القرآن في ركعتين ثم يبكي إلى الفجر قوله تعالى: {وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية} كانوا إذا قدروا على السر لم يخرجوا الصدقة علانية لأن صدقة السر تزيد على العلانية سبعين ضعفا وفي الصحيحين أن أبا طلحة قال أحب أموالي إلي بئرحاء وهي صدقة لله تعالى لو قدرت أن أسره لم أعلنه يا مقصرا في أعماله بخيلا بماله لا تسألوا عن حاله يوم ترحاله يا دائم الخسران فما يربح يا مقيما على المعاصي ما يبرح متى رأيت من فعل فعلك أفلح تقبل من العدو ولا تقبل ممن ينصح قم على قدم الطلب فاقرع الباب بالأدب يفتح صاحب أهل الخير تكن منهم واستفد خصالهم وخذ عنهم قوله تعالى: {يرجون تجارة} أي يرجون بفعلهم تجارة {لن تبور} أي لن تفسد ولن تكسد وهذا جواب قوله تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله} لما سمعوا مضاعفة الأجر في قوله تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} ثم سمعوا قوله تعالى: {فيضاعفه له أضعافا كثيرة} قال ابن عباس لا ينقضي عددها.وقال أبو هريرة إن الله تعالى يكتب للمؤمن بالحسنة الواحدة ألفي ألف حسنة ولما سمعوا لفظ القرض في ذمة الله بادروا بالأموال أخبرنا يحيى بن علي المدير بسنده عن عبد الله بن مسعود قال لما نزل قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة} قال أبو الدحداح يعني لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الله تعالى ليريد منا القرض قال نعم قال أرني يدك يا رسول الله قال فناوله يده فقال إني قد أقرضت ربي حائطي قال وحائطه فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها فجاء أبو الدحداح فنادى يا أم الدحداح قالت لبيك قال اخرجي من الحائط فقد أقرضته ربي عز وجل وفي رواية أخرى أنها لما سمعت ذلك عمدت إلى صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح سبحان من خلق تلك النفوس واختارها وصفاها بالتقى ورفع أكدارها وجعل حمى معرفته وجنته دارها فإذا مرت على النار أطفأ نورها نارها قوم تيقظوا في أمورهم وعقلوا وحاسبوا أنفسهم فما أضاعوا ولا غفلوا وحاربوا جنود الهوى فأسروا وقتلوا وتدبروا منازل اليقين مع سادة المتقين ونزلوا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا إخواني رحل من أصفه وبقي من لا أعرفه سل عنهم الشعث الغبور وزر إذا اشتقتهم القبور: سجع على قوله تعالى: {يرجون تجارة لن تبور}:كانوا يقومون الديجور ببكاء مطرود مهجور ورعد قلوبهم مقلق زجور فامتلأت بالخيرات الحجور {يرجون تجارة لن تبور} رفضوا الدنيا شغلا عن الزينة وأذلوا نفوسهم فعادت مسكينة وعلموا أن الدنيا سفينة فتهيأوا للعبور {يرجون تجارة لن تبور} يؤثرون بالطعام ويؤثرون الصيام ويأملون فضل الإنعام فما كانت إلا أيام حتى اخضرت البذور {يرجون تجارة لن تبور} بعثوا الأموال الحبيبة إلى بلاد البعث الغريبة فإذا الأرباح عن قريب قريبة وعلى هذا التجارة تدور {يرجون تجارة لن تبور} العليل عليل والأنين طويل والعيون تسيل وما مضى إلا القليل حتى فرح الصبور {ترجون تجارة لن تبور} يقفون وقوف مسكين ويذلون ذل مستكين فنالوا المقام الأمين وانشعب قلب الحزين بأكمل الحبور {ترجون تجارة لن تبور} سليمهم كالسليم وحزنهم مقيم يحذرون الجحيم ويرجون النعيم في كمال الحبور ترجون تجارة لن للقلب مع الدنيا نبا كلما عارضه الهوى نبا يندبون ندب الأسرى الغربا والزفرات على ذنوب الصبا تزيد على الصبا والدبور {يرجون تجارة لن تبور} يا من يدفن ماله تحت الأرض ولا يفهم معنى القرض سيخرج الوارث بالفرض إلى الدرهم والدور {يرجون تجارة لن تبور} سبحان من قضى لقوم سرورا وعلى آخرين ثبورا فما لهم من نور {يرجون تجارة لن تبور} والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ.
|